أحمد عبد الشافي Admin
عدد المساهمات : 796 العمر : 41 تاريخ التسجيل : 11/02/2009
| موضوع: وحدة الأمة وتوحدها.. سبيل قوتها، ومنَعتها الأربعاء نوفمبر 24, 2010 11:53 am | |
| وحدة الأمة وتوحدها.. سبيل قوتها، ومنَعتها
عندما يضعف "جهاز المناعة" (بتعاونه، وتوافقه، ومشاركاته، وتناسقه، واستجاباته.. بدءا من الجلد، ونهاية بالخلايا الليمفاوية)، الذي يتولي الدفاع عن الإنسان ضد مسببات الأمراض، يصاب المرء بعلل عديدة، ويصبح عُرضة بالمزيد. ولن يُكتب له شفاء من علة، أو عافية من مرض إلا إذا أنتصر البدن وفي لبه "جهاز المناعة" في التغلب علي مسببات ذلك الداء، وتلكم العلة. وأما حين يتم تدمير ذلك الجهاز تماماً، فعندها يتم انتظار وترقب الموت في أي لحظة. ولعل الأمم شأنهاـ في هذا ـ شأن الأفراد يسري عليها هذا "القانون البيولوجي الفطري الطبيعي".. تقوي وتضعف وتمرض وتشيخ، وقد تموت.
يروي البخاري أن جَابِرًا رَضِي اللَّه عَنْه َقُالُ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:"مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ مَا شَأْنُهُم؟"،ْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ"، وَقَالَ عَبْد ُاللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ أَلَا نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ لِعَبْد ِاللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَتَحَدَّثُ النَّ اسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"(رواه البخاري برقم:3257).
ولقد ساء يهود تألف الأوس والخزرج بإسلامهم وكونهم الأنصار المؤازرين لإخوانهم المهاجرين، يذكر ابن إسحاق وغيره في السير، أن رجلا من يهود مر بملأ من الأوس والخزرج فساءه ما بهم من الاتفاق والألفة، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم، ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم "بُـعاث"، وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم علي بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلي "الحرة"، فبلغ ذلك النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ فاتاهم، فجعل يسكنهم، ويقول:" أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم"، وتلا :"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (آل عمران:103)، فندموا علي ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم أجمعين.
ما أشبه الليلة بالبارحة.. فهؤلاء الناعقين كالبوم يثيرون ثائرة الشعوب ـ المقهورة المنهوبة والمُستغلة المُهمشة المًستلبة ـ من أجل صنع أعداء وهمين، بسبب مباراة كرة قدم، أو كلمة عابرة هنا أو هناك، أو تنامي دور إقليمي لهذا الطرف أو ذاك (مدعوم من جهات معادية فارسية تسعي لامتلاك قنبلة نووية، لتدمر المنطقة العربية ومن ضمنها الدولة العبرية) ، أو صرخة للتعبير عن ألم ومعاناة ويلات حصار جماعي لمليون ونصف المليون من البشر في غزة. إنه تغافل بل تعمد للذود عن العدو الحقيقي، ونخره كالسوس في جسد الأمة، فماذا سيفعل هؤلاء وغيرهم لو: طُرد الفلسطينيين من أرضهم المحتلة لحساب"الدولة العبرية/ اليهودية النقية العرق"، وتفتت واحتلت بدان عربية تلو أخري؟؟، ماذا سيفعل العرب والمسلمون لو تم تفجير وهدم الأقصى غدا؟.
هناك سيناريو معبر رسمه "مجاهد شرارة" يقول:عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي عن أسفه لعملية التفجير ووصفها بعملية سيئة وألمح إلي أن من قام بهذه الفعلة بكل تأكيد مجنون وبالطبع ليس علي المجنون حرج، وأنه لا يستطيع مواجهة حلفائه "اليمينيين المتطرفين"خشية سقوط الائتلاف الحكومي".كما أدان وشجب الأمين العام للأمم المتحدة عملية التفجير في مؤتمر صحفي أقامه بالمقر العام للأمم المتحدة بنيويورك ووصف عملية التفجير بالعمل غير المسئول، وطالب الفلسطينيين بضبط النفس، أما الأمين العام للجامعة العربية فقد أعرب عن أسفه لما آلت إليه الأحداث ووصولها للذروة بتفجير المسجد الأقصى وطالب بقمة عربية طارئة لمناقشة المستجدات والوصول لموقف عربي موحد أمام هذه الغطرسة الإسرائيلية، وهدد بسحب"مبادرة السلام العربية". هذا وقد عبر رئيس السلطة الفلسطينية عن سخطه، لكن مع التزامه بالنهج التفاوض ـ المباشر وغير المباشر حتي "انتزاع آخر شبر من الأراضي المحتلة". وقد أطلقت كتائب عز الدين القسام وكتائب الأقصى وحركة الجهاد الفلسطيني وباقي الفصائل الفلسطينية مئات القذائف باتجاه المستوطنات اليهودية.
ثمة سيناريو آخر رسمه موقع الجزيرة:صَدر بيان الآن من أمين عام الأمم المتحدة، يدعو فيه الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلي ضبط النفس، والتفكير في الأضرار الهائلة التي ستعم المنطقة حال نشوب نزاع إقليمي.. يحث البيان الحكومة الإسرائيلية (الديمقراطية الوحيدة في المنطقة العربية) النظر في الإجراءات غير المحسوبة التي نالت من المسجد الأقصى، وهو رمز وأثر تاريخي للإنسانية. بحسب مراسلينا المنتشرين في عدد من العواصم، فإن آلاف المتظاهرين قد خرجوا الآن في تظاهرات كبيرة وغير منظمة، رغم تأخر الوقت والجو المُمطر، هناك أخبار عن صدامات بين طلاب الجامعات المصرية وقوات من الأمن المركزي، خرج أيضا الآلاف رافعين الأعلام الفلسطينية، وأحرقوا العلمين الأمريكي والإسرائيلي، بينما تحدث زعيم هنا أو هناك عارضاً بناء مسجد أقصي آخر علي أرضه، مع إعادة هيكلة عملية السلام في الأراضي المحتلة". ماذا سيحدث وقتها؟.. المشكلة الأساسية هي حدوث بعضا من "مظاهر عدم الاستقرار الداخلي".. مظاهرات في عدة دول عربية وحرق أميال من الأعلام الأمريكية والإسرائيلية.. اعتقالات بالجملة.. مليون عريضة علي البريد الإلكتروني.. إدانة شديدة اللهجة من أوباما والاتحاد الأوروبي واليونسكو بسبب هدم معلم أثري مهم.. ثم لا شيء.. سوف ينقشع الغبار وينصرف الناس لطوابير الخبز وأنابيب البوتاجاز، ومتابعة فضائيات الفيديو كليب، و(شذي حسون التي تغازل المحتل الأمريكي)، واللهث وراء مشاهدة مباريات كأس العالم مع تمني أداء سيء لفريق الجزائر.)(بتصريف نقلا عن جريدة الدستور المصرية في يوم 24/3/2010).
إن الأمة الإسلامية محور"جهازها المناعي" قوله تعالي:"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (آل عمران:103).. اعتصام ووحدة وتوحد وأخوة وألفة وهداية، ومن هديه صلي الله عليه وسلم قوله:" لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ"(من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح مسلم برقم:4650).
قديما وحديثا.. تتناوش الأمة العربية الإسلامية أمم، وتتداعي عليها (ضباع) كما تداعي الأكلة إلي قصعتها، وينعق عليها كل ناعق، وتكثر جحور الضب، لتدخل ورائه، وليتم الإجهاز علي "جهازها المناعي"، ولتضعف ويدب فيها الوهن والشقاق والنزاع والتحزب والتفرق، لذا كان تأكيده ـ صلي الله عليه وسلم ـ وتحذيره الشديد لأمته في حجة الوداع:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا فَو َالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"(رواه البخاري من حديثِ ابْنِ عَبَّاس ٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا: برقم1623).
إذا فقد التعاون والمشاركة والتناسق والاستجابات بين مكونات "جهاز المناعة" لم تقم له قائمة. كذلك إذا فقدت أمثال تلكم الجوانب ـ التعاون والتوافق والمشاركة والتناسق والاستجابات ـ بين الشعوب وحُاكمهم، وسياساتهم تعرضت الأمة لنكبات ومحن وإحن وعلل وأمراض لن تشفي منها إذا بتلافي أساب تلك المثالب والمعايب.. ويبقي أن من أعيته المسئولية (دون النظر الضيق للمصالح الشخصية العجلة والزائلة) ولم ينهض بتبعاتها المصيرية والمنعكسة علي الأمة برمتها، فيخل الساحة لغيره ولمن تتوسم فيه شعوب الأمة تحقيق مصالحها العليا.
فعلي الأمة الإسلامية تقوية "جهازها المناعي" وراب الصدع فيه، فإن المصائب تتري وتتوالي، ولعل الأسوأ ـ وليس تشاؤما بل تحفزا واستعداداـ لم يأت بعد. علي الأمة ألا تنحرف عن مسارها الذي اختاره الله تعالي لها أمة خاتمة.. موحدة متحدة وواحدة ..أمة التوحيد والوسط والعمل والشهود والشهادة علي باقي الأمم. ولكونها الأمة الخاتمة ـ بمواصفاتها وقيمها تلك ـ قد تضعف وتتراجع وتمرض وتصيبها علل.. لكنها لن تموت بإذن الله تعالي، فالمستقبل لها، لكن خيريتها وعافية"جهازها المناعي" وقوته مرهون باعتصامها بحبل الله المتين، وسنة رسولها الكريم صلي الله عليه وسلم، وعمل وجهد وجهاد الصالحين المُصلحين:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُون" َ(آل عمران:110). | |
|